تدمير البيئات الطبيعية . . نزيف مادي وإخلال بالتوازن
دائما ما يردد ناشطو حماية البيئة حول العالم، عبارة شهيرة تلخص ما يعنيه انقراض نوع من أنواع الحيوانات أو النباتات، هذه العبارة هي (Extinction is Forever)، والتي تعني أن الانقراض عملية أبدية لا يمكن عكس مسارها، بعد ما تصل إلى محطتها النهائية المتمثلة في الاختفاء التام لنوع من أنواع الحياة، وحيث لا يمكن بعدها استرجاع النوع المنقرض بعد أن تتمكن ظلمات الفناء من طي وجوده إلى الأبد.
ولكن إذا ما كان الجنس البشري غير قادر على إعادة ما فنى وانقرض من حيوانات ونباتات، فلا زال يمكنه أن يقوم بما هو ضروري من إجراءات واحتياطات، تمنع اختفاء المزيد من أنواع الحياة، وخصوصا تلك الأنواع المعرضة حاليا لأكبر التهديدات لبقائها ووجودها. ولكن قبل الدخول في ما يمكن للجنس البشري أن يفعله، لوقف النزيف المستمر والخسارة المتزايدة لأنواع الحياة، يجب أن ندرك مدى فداحة الخطر الذي يواجه التنوع البيولوجي على الأرض والتي تمثل الكوكب الوحيد المؤكد وجود حياة عليه من بين مليارات الكواكب الأخرى.
فداحة هذا الخطر وحجمه، أظهرهما بوضوح وبشكل جلي تقرير نشر في نهاية شهر أيار 2002م، وصدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، والذي أشار إلى أن واحدا من كل أربعة من الحيوانات الثديية التي تجوب الأرض حاليا، يواجه خطر الانقراض والاختفاء تماما من على سطح الأرض خلال الثلاثين عاما المقبلة. وأشار التقرير أيضا إلى أن أكثر من 11 ألف نوع من الحيوانات والنباتات مهددة بالانقراض، بما في ذلك حوالي ألف حيوان ثديي، ونوع من كل ثمانية أنواع من الطيور، وأكثر من 5 آلاف نوع من أنواع النباتات. ومن ضمن هذه الحيوانات المهددة بالانقراض، توجد بعض الأمثلة الشهيرة والتي وصلت إلى مرحلة القضايا العالمية، مثل وحيد القرن الأسود والنمر السيبيري، بالإضافة إلى حيوانات أخرى كثيرة لا تلقى الاهتمام نفسه من وسائل الإعلام الدولية، مثل النسر الفليبيني والفهد الآسيوي.
ويلقي التقرير، الذي تأسست توقعاته على دراسة النمط السائد من تدمير للبيئة الطبيعية خلال العقود الثلاثة الماضية، باللوم على سببين رئيسيين خلف الزيادة الرهيبة والمطردة في أعداد الكائنات الحية المهددة بالانقراض، وهما تدمير البيئة المعيشية لتلك الحيوانات، وعمليات نقل أنواع من الكائنات الحية من مناطق بيئتها الطبيعية، إلى مناطق جديدة لم تكن موجودة فيها سابقا أبدا، مما يخل بالتوازن البيئي في هذه المناطق الجديدة، ويجعل من الصعب على الحيوانات التي كانت تقطنها أساسا الاستمرار في البقاء.
وبما أن هذين العاملين الرئيسيين المسببين لكل ما حدث من انقراض لأنواع الكائنات الحية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ما زالا موجودين بل تزداد وطأتهما وقدرتهما على التدمير بمرور الأيام، فمن المتوقع أن يتسببا في المزيد من الانقراض والفناء التام لأعداد هائلة من الحيوانات والنباتات. فالتوسع العمراني والتوسع الزراعي لا زالا يسببان الكثير من الضغوط والتآكل في البيئات الطبيعة وفي الغابات التي تقطنها هذه الكائنات الحية، وهما العاملان اللذان يضاعف من تأثيرهما التجفيف المتعمد لأراضي المستنقعات والتلوث الصناعي المستمر بالعديد من المركبات الكيماوية.
وقد يبدو للبعض أن عملية الانقراض هذه مسألة ليست حيوية بالنسبة للكثير من المجتمعات البشرية وخصوصا تلك التي تصارع نفسها من أجل البقاء، أو أنها قضية يعنى أكثر بها الأثرياء من محبي الحيوانات، الذين حلت جميع مشكلاتهم ولم يبق ليؤرقهم غير خطر انقراض النمر الآسيوي أو النسر الفليبيني. هذا الاعتقاد السائد هو بالتحديد أكبر المشكلات التي تواجه المدافعين عن البيئة والعاملين على درء خطر الانقراض للعديد من أنواع الحياة. ويمكن ببساطة دحض هذا الاعتقاد على العديد من المستويات، بإظهار الثمن البيولوجي والاقتصادي الناتج من الانقراض. فعلى المستوى البيولوجي يجب أن ندرك أن كل حيوان أو نبات يتعرض لخطر الانقراض، هو في الواقع تركيبة جينية وراثية فريدة، استغرق تكوينها على الشكل الذي نراه حاليا مئات الملايين من السنين.
ويعتبر وجود هذا الحيوان أو النبات عاملا مهما ومؤثرا في الحفاظ على التوازن البيئي بأكمله في المنطقة التي يعيش فيها. ولذا يشكل اختفاء هذا الحيوان أو النبات اختلالا شديدا في بيئته، يمتد تأثيره إلى جميع الكائنات الحية التي تقطن المنطقة نفسها من حيوانات ونباتات بما في ذلك الإنسان نفسه. وهناك العشرات من الأمثلة التي اختل فيها التوازن البيئي في منطقة ما، بسبب انقراض حيوان أو نبات معين منها بسبب تصرفات الإنسان في الغالب، ولم تنجح أبدا أية محاولات لاحقة لاستعادة هذا التوازن، حيث اكتشف الإنسان أن استرجاع هذا التوازن يتطلب استعادة ذلك الحيوان المنقرض بحد ذاته، وما يحمله معه من عادات غذائية واجتماعية، بما في ذلك ما يشكله كمصدر غذاء لحيوانات أخرى في ذلك النظام البيئي المستقر سابقا والمختل حاليا إلى الأبد.
هذا عن التكلفة البيولوجية البيئية المصاحبة لانقراض نوع من أنواع الحياة، أما عن التأثيرات الاقتصادية فقد أظهرتها بشكل واضح دراسة أخرى نشرت في المجلة العلمية (Science)، وأجراها مجموعة من الباحثين البريطانيين والأميركيين، بدعم من الحكومة البريطانية والجمعية الملكية لحماية الطيور، وتخلص هذه الدراسة إلى حقيقة مهمة وفريدة في مفهومها، وهي أن العائد النقدي من حماية المناطق الطبيعية، يزيد بأضعاف عما يتحقق من أرباح مالية نتيجة تطوير هذه المناطق وتحويلها إلى مناطق سكنية ومنتجعات سياحية.
وقبل شرح هذا المفهوم الجديد، يجب أن نتوقف قليلا عند مصطلح التطوير (Development) وهو اللفظ اللغوي الشائع عند تحويل المناطق الطبيعية أو الزراعية إلى مناطق سكنية أو صناعية. وبصراحة لا يتضح للمدقق كيف يسمى ما يحدث "تطويرا" لهذه المناطق بتحويلها إلى كتل خرسانية تفصل بينها مساحات سوداء من الإسفلت. فمعنى التطوير أنك بدأت بشيء متخلف أو رجعي وحولته إلى ما هو أفضل، ولذا ربما يجب أن يستبدل هذا اللفظ، والمترجم في جميع الكتابات عن قرينه في اللغة الإنجليزية، بمصطلح خرسنة هذه المناطق، وإن كانت قضية التسمية هي من الاختصاص الأصيل لخبراء اللغة العربية.
وعودة إلى تلك الدراسة، يرى القائمون بها أن الجنس البشري يخسر ما يوازي 250 مليار دولار سنويا من جراء تدمير البيئات الطبيعية، ولا تتوقف هذه الخسارة عند العام الذي دمرت فيه البيئة، بل تتعداه إلى جميع السنوات اللاحقة، وبذلك تتراكم الخسارة بشكل لا نهائي عبر مرور السنين. ويقيس الباحثون القيمة الاقتصادية للنظم البيئية، من خلال الفوائد والمنافع التي توفرها، مثل الحفاظ على استقرار المناخ، وتنقية وترشيح المياه، والتكوين المستمر للتربة الملائمة للنباتات، وتوفير مستلزمات الحياة للعديد من أنواع النباتات والحيوانات.
كل هذه الفوائد والمنافع لا تباع أو تشترى في الأسواق الاقتصادية المعتادة، ولذا كان من الصعب وضع سعر يحدد قيمة كل منها. ولذا قام مجموعة من الاقتصاديين بوضع قيمة افتراضية لهذه الفوائد، بناء على التكلفة المالية التي يتطلبها استرجاع هذه الفوائد أو بناؤها من جديد، وأيضا على حسب ما يفترض أن المجتمعات البشرية على استعداد لدفعه مقابل الحصول على تلك الفوائد في بيئتها المحيطة.
دائما ما يردد ناشطو حماية البيئة حول العالم، عبارة شهيرة تلخص ما يعنيه انقراض نوع من أنواع الحيوانات أو النباتات، هذه العبارة هي (Extinction is Forever)، والتي تعني أن الانقراض عملية أبدية لا يمكن عكس مسارها، بعد ما تصل إلى محطتها النهائية المتمثلة في الاختفاء التام لنوع من أنواع الحياة، وحيث لا يمكن بعدها استرجاع النوع المنقرض بعد أن تتمكن ظلمات الفناء من طي وجوده إلى الأبد.
ولكن إذا ما كان الجنس البشري غير قادر على إعادة ما فنى وانقرض من حيوانات ونباتات، فلا زال يمكنه أن يقوم بما هو ضروري من إجراءات واحتياطات، تمنع اختفاء المزيد من أنواع الحياة، وخصوصا تلك الأنواع المعرضة حاليا لأكبر التهديدات لبقائها ووجودها. ولكن قبل الدخول في ما يمكن للجنس البشري أن يفعله، لوقف النزيف المستمر والخسارة المتزايدة لأنواع الحياة، يجب أن ندرك مدى فداحة الخطر الذي يواجه التنوع البيولوجي على الأرض والتي تمثل الكوكب الوحيد المؤكد وجود حياة عليه من بين مليارات الكواكب الأخرى.
فداحة هذا الخطر وحجمه، أظهرهما بوضوح وبشكل جلي تقرير نشر في نهاية شهر أيار 2002م، وصدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، والذي أشار إلى أن واحدا من كل أربعة من الحيوانات الثديية التي تجوب الأرض حاليا، يواجه خطر الانقراض والاختفاء تماما من على سطح الأرض خلال الثلاثين عاما المقبلة. وأشار التقرير أيضا إلى أن أكثر من 11 ألف نوع من الحيوانات والنباتات مهددة بالانقراض، بما في ذلك حوالي ألف حيوان ثديي، ونوع من كل ثمانية أنواع من الطيور، وأكثر من 5 آلاف نوع من أنواع النباتات. ومن ضمن هذه الحيوانات المهددة بالانقراض، توجد بعض الأمثلة الشهيرة والتي وصلت إلى مرحلة القضايا العالمية، مثل وحيد القرن الأسود والنمر السيبيري، بالإضافة إلى حيوانات أخرى كثيرة لا تلقى الاهتمام نفسه من وسائل الإعلام الدولية، مثل النسر الفليبيني والفهد الآسيوي.
ويلقي التقرير، الذي تأسست توقعاته على دراسة النمط السائد من تدمير للبيئة الطبيعية خلال العقود الثلاثة الماضية، باللوم على سببين رئيسيين خلف الزيادة الرهيبة والمطردة في أعداد الكائنات الحية المهددة بالانقراض، وهما تدمير البيئة المعيشية لتلك الحيوانات، وعمليات نقل أنواع من الكائنات الحية من مناطق بيئتها الطبيعية، إلى مناطق جديدة لم تكن موجودة فيها سابقا أبدا، مما يخل بالتوازن البيئي في هذه المناطق الجديدة، ويجعل من الصعب على الحيوانات التي كانت تقطنها أساسا الاستمرار في البقاء.
وبما أن هذين العاملين الرئيسيين المسببين لكل ما حدث من انقراض لأنواع الكائنات الحية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ما زالا موجودين بل تزداد وطأتهما وقدرتهما على التدمير بمرور الأيام، فمن المتوقع أن يتسببا في المزيد من الانقراض والفناء التام لأعداد هائلة من الحيوانات والنباتات. فالتوسع العمراني والتوسع الزراعي لا زالا يسببان الكثير من الضغوط والتآكل في البيئات الطبيعة وفي الغابات التي تقطنها هذه الكائنات الحية، وهما العاملان اللذان يضاعف من تأثيرهما التجفيف المتعمد لأراضي المستنقعات والتلوث الصناعي المستمر بالعديد من المركبات الكيماوية.
وقد يبدو للبعض أن عملية الانقراض هذه مسألة ليست حيوية بالنسبة للكثير من المجتمعات البشرية وخصوصا تلك التي تصارع نفسها من أجل البقاء، أو أنها قضية يعنى أكثر بها الأثرياء من محبي الحيوانات، الذين حلت جميع مشكلاتهم ولم يبق ليؤرقهم غير خطر انقراض النمر الآسيوي أو النسر الفليبيني. هذا الاعتقاد السائد هو بالتحديد أكبر المشكلات التي تواجه المدافعين عن البيئة والعاملين على درء خطر الانقراض للعديد من أنواع الحياة. ويمكن ببساطة دحض هذا الاعتقاد على العديد من المستويات، بإظهار الثمن البيولوجي والاقتصادي الناتج من الانقراض. فعلى المستوى البيولوجي يجب أن ندرك أن كل حيوان أو نبات يتعرض لخطر الانقراض، هو في الواقع تركيبة جينية وراثية فريدة، استغرق تكوينها على الشكل الذي نراه حاليا مئات الملايين من السنين.
ويعتبر وجود هذا الحيوان أو النبات عاملا مهما ومؤثرا في الحفاظ على التوازن البيئي بأكمله في المنطقة التي يعيش فيها. ولذا يشكل اختفاء هذا الحيوان أو النبات اختلالا شديدا في بيئته، يمتد تأثيره إلى جميع الكائنات الحية التي تقطن المنطقة نفسها من حيوانات ونباتات بما في ذلك الإنسان نفسه. وهناك العشرات من الأمثلة التي اختل فيها التوازن البيئي في منطقة ما، بسبب انقراض حيوان أو نبات معين منها بسبب تصرفات الإنسان في الغالب، ولم تنجح أبدا أية محاولات لاحقة لاستعادة هذا التوازن، حيث اكتشف الإنسان أن استرجاع هذا التوازن يتطلب استعادة ذلك الحيوان المنقرض بحد ذاته، وما يحمله معه من عادات غذائية واجتماعية، بما في ذلك ما يشكله كمصدر غذاء لحيوانات أخرى في ذلك النظام البيئي المستقر سابقا والمختل حاليا إلى الأبد.
هذا عن التكلفة البيولوجية البيئية المصاحبة لانقراض نوع من أنواع الحياة، أما عن التأثيرات الاقتصادية فقد أظهرتها بشكل واضح دراسة أخرى نشرت في المجلة العلمية (Science)، وأجراها مجموعة من الباحثين البريطانيين والأميركيين، بدعم من الحكومة البريطانية والجمعية الملكية لحماية الطيور، وتخلص هذه الدراسة إلى حقيقة مهمة وفريدة في مفهومها، وهي أن العائد النقدي من حماية المناطق الطبيعية، يزيد بأضعاف عما يتحقق من أرباح مالية نتيجة تطوير هذه المناطق وتحويلها إلى مناطق سكنية ومنتجعات سياحية.
وقبل شرح هذا المفهوم الجديد، يجب أن نتوقف قليلا عند مصطلح التطوير (Development) وهو اللفظ اللغوي الشائع عند تحويل المناطق الطبيعية أو الزراعية إلى مناطق سكنية أو صناعية. وبصراحة لا يتضح للمدقق كيف يسمى ما يحدث "تطويرا" لهذه المناطق بتحويلها إلى كتل خرسانية تفصل بينها مساحات سوداء من الإسفلت. فمعنى التطوير أنك بدأت بشيء متخلف أو رجعي وحولته إلى ما هو أفضل، ولذا ربما يجب أن يستبدل هذا اللفظ، والمترجم في جميع الكتابات عن قرينه في اللغة الإنجليزية، بمصطلح خرسنة هذه المناطق، وإن كانت قضية التسمية هي من الاختصاص الأصيل لخبراء اللغة العربية.
وعودة إلى تلك الدراسة، يرى القائمون بها أن الجنس البشري يخسر ما يوازي 250 مليار دولار سنويا من جراء تدمير البيئات الطبيعية، ولا تتوقف هذه الخسارة عند العام الذي دمرت فيه البيئة، بل تتعداه إلى جميع السنوات اللاحقة، وبذلك تتراكم الخسارة بشكل لا نهائي عبر مرور السنين. ويقيس الباحثون القيمة الاقتصادية للنظم البيئية، من خلال الفوائد والمنافع التي توفرها، مثل الحفاظ على استقرار المناخ، وتنقية وترشيح المياه، والتكوين المستمر للتربة الملائمة للنباتات، وتوفير مستلزمات الحياة للعديد من أنواع النباتات والحيوانات.
كل هذه الفوائد والمنافع لا تباع أو تشترى في الأسواق الاقتصادية المعتادة، ولذا كان من الصعب وضع سعر يحدد قيمة كل منها. ولذا قام مجموعة من الاقتصاديين بوضع قيمة افتراضية لهذه الفوائد، بناء على التكلفة المالية التي يتطلبها استرجاع هذه الفوائد أو بناؤها من جديد، وأيضا على حسب ما يفترض أن المجتمعات البشرية على استعداد لدفعه مقابل الحصول على تلك الفوائد في بيئتها المحيطة.