لحوم التماسيح هل هي الحـل؟..
(رب ضارة نافعة) تنطبق تماما على مربي التماسيح في تايلاند، إذ قيل إن أوروبا قد انفتحت شهيتها لأوسع مدى ممكن هذه الأيام للحم هذا الحيوان النهري الضاري بعد اجتياح وباء جنون الأبقار والحمى القلاعية لمواشيهم، وتلقت تايلاند باعتبارها متخصصة في هذا الشأن سيلا من الطلبات الأوروبية (العاجلة) وفورا سافرت اللحوم بالطائرات إلى العواصم الأوروبية، وفي الوقت الذي تطالعون فيه هذا المقال فان المواطن الأوروبي يكون قد وصل إلى مرحلة متقدمة للغاية من عملية الهضم إذ اللحوم تحولت في أمعاءه إلى سائل يسهل على جدار المعدة امتصاصه، وان علامات الصحة والعافية تدفقت بالفعل على محياه، وانه وفي هذا اللحظة يعاتب نفسه على سنوات عمره التي قضاها في التهام لحوم خطرة تاركا الأنهار بما فيها من خيرات.
فما هي التماسيح تحديدا؟.. إنها حيوانات برمائية (مفترسة) تعيش في المياه العذبة، عليه فان المواطن الخليجي تحديدا لم يعهدها إذ لا توجد انهار في جزيرة العرب، وبما إنها برمائية فإنها تأكل أي شئ مكتنز بـ (اللحم) أي هي من آكلات اللحوم أي لحوم، ذلك يعنى إنها تأكل الأبقار، والخراف، والماعز، والغزلان، والحمير، والكلاب، وفوق هذا وهنا يكمن الأهم فإنها متخصصة بنحو خاص في التهام (البشر) إذ ترى فيه صيدا عزيزا وغاليا، وقد تفضله على ما سواه من الدواب والأنعام، وإذا ما خيرت ما بين بقرة وإنسان فإنها تفضل الأخير لشيء ما في نفسها لا نعلم كنهه، لذلك فان هذا الحيوان تحديدا بقي ممقوتا من قبل الإنسان على مر العصور، ما إن يشاهد في ضفة أي نهر ولو بالصدفة حتى يتم استنفار كل قوى الأمن، ويأتي القناصة مدججين بالسلاح وليتخذوا مواقع لهم فوق أسطح المنازل المطلة على النهر وفوق أعالي الشجر، ولن يهدأ لهم بال حتى يتم جندلته، عندها ستنام القرية ملء جفونها بعد القضاء على هذا العدو الشرس.
كما إن كلمة (تمساح) في حد ذاتها وإذا ما نعت بها ادمي في تلك الدول التي تجري فيها الأنهار، فما من شك إن هذا الآدمي بات يتمتع بصفات نادرة، لا تتوفر قطعا في أقرانه البشر، إذ هو قادر على (بلع) أي شئ وبغض النظر عما إذا كان هذا الشيء بعظم أو بدونه، وبما إن الإنسان ومن ناحية عامة وعبر صفاته المعروفة فان حجم فمه لا يؤهله لان يغدو تمساحا بحق، إذن الكلمة تطلق كناية لصفة أخرى استطالت وتعلقت حتى غدا الموصوف يماثل أو يطابق (التمساح) الحيوان في صفة البلع المتناهية القسوة، ولكل واحد منا الحق كاملا وبغير تدخل منا أن يصل إلى مدلولات هذا الوصف ومراميه، كما من حق كل منا أن يعمل فكره ليستبين الشيء الذي يبلعه (الإنسان التمساح) وبالقدر الذي يغدو فيه مؤهلا لنيل هذا الشرف الرفيع المستوى، إشارة إلى أن الغالبية العظمي من البشر لا يستطيعون نيل هذا الشرف أصلا وان حاولوا، السبب في ذلك هو أن التماسيح البشرية الأقدم والأكبر والأضخم لا تسمح أساسا لأي وافد جديد بالدنو من هذا الفردوس، فالالتهام الفوري هو ما سيتعرض له كل طالب مجد صغير.
وبما إن التمساح الأصلي والتمساح البشري كلاهما يشير إلى سوداوية أو في افضل الحالات إلى ضبابية المصير، فان التساؤل النبيل يتضح تلقائيا عن أسباب انفتاح الشهية الأوروبية لتعاطي هذا اللحم دون غيره إذ فيه جزئيات مذابة من لحوم البشر حتما، وفي إطار المعنيين معا، فلو أن أوروبا النظيفة أكلت لحوم الحمير لكان أهون، ذلك إننا وان وصفنا ادمي ما بأنه كذلك فليس ثمة ما نفعله غير الشفقة نحيطه بها، ذلك إن الأكيد انه ليس ضارا..